فصل: قال ابن الجوزي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {قالوا اتخذ الله ولدًا} قال ابن عباس: يعني أهل مكة، جعلوا الملائكة بنات الله.
قوله تعالى: {سبحانه} تنزيه له عما قالوا.
{هو الغني} عن الزوجة والولد.
{إِن عندكم} أي: ما عندكم: {من سلطان} أي: حجة بما تقولون.
قوله تعالى: {لا يفلحون} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: لا يبقون في الدنيا.
والثاني: لا يسعدون في العاقبة.
والثالث: لا يفوزون.
قال الزجاج: وهذا وقف التمام، وقوله: {متاع في الدنيا} مرفوع على معنى: ذلك متاع في الدنيا.
قوله تعالى: {واتل عليهم نبأ نوح} فيه دليل على نبوَّته، حيث أخبر عن قصص الأنبياء ولم يكن يقرأ الكتب، وتحريضٌ على الصبر، وموعظة لِقومه بذكر قوم نوح وما حلَّ بهم من العقوبة بالتكذيب.
قوله تعالى: {إِن كان كَبُرَ} أي: عَظُم وشَقَّ: {عليكم مقامي} أي: طول مكثي.
وقرأ أبو مجلز، وأبو رجاء، وأبو الجوزاء {مُقامي} برفع الميم.
{وتذكيري} وعظي.
{فعلى الله توكلت} في نصرتي ودفع شركم عني.
{فأجمعوا أمركم} قرأ الجمهور: {فأجمعوا} بالهمز وكسر الميم، من {أجمعتُ}.
وروى الأصمعي عن نافع: {فاجمعوا} بفتح الميم، مِن {جمعت}. ومعنى {أجمعوا أمركم}: أحكِموا أمركم واعزموا عليه. قال المؤرِّج: أجمعت الأمر أفصح من أجمعت عليه، وأنشد:
يا ليتَ شِعري والمنى لا تنفَعُ ** هل أَغْدُوَنْ يومًا وأَمري مُجْمَعُ

فأما رواية الأصمعي، فقال أبو علي: يجوز أن يكون معناها: اجمعوا ذوي الأمر منكم، أي: رؤساءكم. ويجوز أن يكون جعل الأمر ما كانوا يجمعونه من كيدهم الذي يكيدون به، فيكون كقوله: {فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفًا} [طه: 64].
قوله تعالى: {وشركاءكم} قال الفراء وابن قتيبة: المعنى: وادعوا شركاءكم.
وقال الزجاج: الواو هاهنا بمعنى مع، فالمعنى: مع شركائكم.
تقول: لو تُركت الناقة وفصيلها لرضعها، أي: مع فصيلها وقرأ يعقوب {وشركاؤكم} بالرفع.
قوله تعالى: {ثم لا يكن أمركم عليكم غُمّة} فيه قولان:
أحدهما: لا يكن أمركم مكتومًا، قاله ابن عباس.
والثاني: غمًا عليكم، كما تقول: كرب وكربة، قاله ابن قتيبة.
وذكر الزجاج القولين.
وفي قوله: {ثم اقضوا إِليَّ} قولان:
أحدهما: ثم أقضوا إِليَّ ما في أنفسكم، قاله مجاهد.
والثاني: افعلوا ما تريدون، قاله الزجاج، وابن قتيبة.
وقال ابن الأنباري: معناه: اقضوا إِليَّ بمكروهكم وما توعدونني به، كما تقول العرب: قد قضى فلان، يريدون: مات ومضى.
قوله تعالى: {فإن تولَّيتم} أي: أعرضتم عن الإِيمان.
{فما سألتكم من أجر} أي: لم يكن دعائي إِياكم طمعًا في أموالكم.
قوله تعالى: {إِن أجريَ} حرَّك هذه الياء ابن عامر، وأبو عمرو، ونافع، وحفص عن عاصم، وأسكنها الباقون.
قوله تعالى: {وجعلناهم خلائف} أي: جعلنا الذين نَجَواْ مع نوح خَلَفًا ممن هلك.
قوله تعالى: {ثم بعثنا من بعده} أي: من بعد نوح: {رسلًا إِلى قومهم} قال ابن عباس: يريد إِبراهيم وهودًا وصالحًا ولوطًا وشعيبًا.
{فجاؤوهم بالبينات} أي: بان لهم أنهم رسل الله.
{فما كانوا} أي: أولئك الأقوام: {ليؤمنوا بما كذَّبوا} يعني الذين قبلهم.
والمراد: أن المتأخرين مَضَواْ على سَنَن المتقدِّمين في التكذيب.
وقال مقاتل: فما كانوا ليؤمنوا بما كذَّبوا به من العذاب من قبل نزوله.
قوله تعالى: {كذلك نطبع} أي: كما طبعنا على قلوب أولئك،: {كذلك نطبع على قلوب المعتدين} يعني المتجاوزين ما أُمروا به.
قوله تعالى: {ثم بعثنا من بعدهم} يعني الرسل الذين أُرسلوا بعد نوح.
قوله تعالى: {فلما جاءهم الحق من عندنا} وهو ما جاء به موسى من الآيات.
قوله تعالى: {أسحر هذا} قال الزجاج: المعنى: أتقولون للحق لما جاءَكم هذا اللفظ، وهو قولهم: {إِنَّ هذا لسحرٌ مبين}.
ثم قررهم فقال: {أسحر هذا}؟.
قال ابن الأنباري: إِنما أدخلوا الألف على جهة تفظيع الأمر، كما يقول الرجل إِذا نظر إِلى الكسوة الفاخرة: أكسوة هذه؟ يريد بالاستفهام تعظيمها، وتأتي الرجلَ جائزةٌ، فيقول: أحقٌّ ما أرى؟ معظِّمًا لما ورد عليه.
وقال غيره: تقدير الكلام: أتقولون للحق لما جاءكم: هو سحر؟ أسحر هذا؟ فحذف السحر الأولُ اكتفاءً بدلالة الكلام عليه، كقوله: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم} [الإسراء: 8] المعنى: بعثناهم ليسوؤوا وجوهَكم.
قوله تعالى: {أجئتنا لتلفتنا} قال ابن قتيبة: لتصرفنا.
يقال: لفتُّ فلانًا عن كذا: إِذا صرفته.
ومنه الالتفات، وهو الانصراف عما كنت مقبلًا عليه.
قوله تعالى: {وتكونَ لكما الكبرياء في الأرض} وروى أبان، وزيد عن يعقوب: {ويكون لكما} بالياء.
وفي المراد بالكبرياء ثلاثة أقوال: أحدها: الملك والشرف، قاله ابن عباس.
والثاني: الطاعة، قاله الضحاك.
والثالث: العلوّ، قاله ابن زيد.
قال ابن عباس: والأرض هاهنا، أرض مصر.
قوله تعالى: {بكل ساحر} قرأ حمزة، والكسائي، وخلف {بكل سحَّار} بتشديد الحاء وتأخير الألف.
قوله تعالى: {ما جئتم به السحرُ} قرأ الأكثرون {السحرُ} بغير مدّ، على لفظ الخبر، والمعنى: الذي جئتم به من الحبال والعصيّ، هو السحر، وهذا ردّ لقولهم للحق: هذا سحر، فتقديره: الذي جئتم به السحر، فدخلت الألف واللام، لأن النكرة إِذا عادت، عادت معرفة، كما تقول: رأيت رجلًا، فقال ليَ الرجل.
وقرأ مجاهد، وأبو عمرو، وأبو جعفر، وأبان عن عاصم، وأبو حاتم عن يعقوب {آلسحر} بمدِّ الألف، استفهامًا.
قال الزجاج: والمعنى: أي شيء جئتم به؟ أسحر هو؟ على جهة التوبيخ لهم.
وقال ابن الأنباري: هذا الاستفهام معناه التعظيم للسحر، لا على سبيل الاستفهام عن الشيء الذي يُجهل، وذلك مثل قول الإِنسان في الخطأ الذي يستعظمه من إِنسان: أَخَطَأٌ هذا؟ أي: هو عظيم الشأن في الخطأ.
والعرب تستفهم عما هو معلوم عندها، قال امرؤ القيس:
أغرَّكِ مِنّي أنّ حُبَّكِ قاتلي ** وأنَّك مهما تأمري القلبَ يَفْعَلِ

وقال قيس بن ذريح:
أراجعةٌ يالُبنَ أيامُنا الأُلى ** بذي الطَّلح أم لا ما لَهُنَّ رجوعُ

فاستفهم وهو يعلم أنهن لا يرجعن.
قوله تعالى: {إِن الله سيبطله} أي: يهلكه، ويُظهر فضيحتكم،: {إِن الله لا يصلح عمل المفسدين} لا يجعل عملهم نافعًا لهم.
{ويُحقُّ الله الحقَّ} أي: يظهره ويمكنِّه،: {بكلماته} بما سبق من وعده بذلك.
قوله تعالى: {فما آمن لموسى إِلا ذرية} في المراد بالذرّية هاهنا ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المراد بالذرّية: القليل، قاله ابن عباس.
والثاني: أنهم أولاد الذين أُرسل إِليهم موسى، مات آباؤهم لطول الزمان، وآمنوا هم، قاله مجاهد.
وقال ابن زيد: هم الذين نشؤوا مع موسى حين كفَّ فرعون عن ذبح الغلمان.
قال ابن الأنباري: وإِنما قيل لهؤلاء: {ذرية} لأنهم أولاد الذين بُعث إِليهم موسى، وإِن كانوا بالغين.
والثالث: أنهم قوم، أُمهاتهم من بني إِسرائيل، وآباؤهم من القبط، قاله مقاتل، واختاره الفراء.
قال: وإِنما سُمُّوا ذريةً كما قيل لأولاد فارس: الأبناء، لأن أُمهاتهم من غير جنس آبائهم.
وفي هاء {قومه} قولان:
أحدهما: أنها تعود إِلى موسى، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: إِلى فرعون، رواه أبو صالح عن ابن عباس فعلى القول الأول يكون قوله: {على خوفٍ من فرعونَ وملئهم} أي: وملأ فرعون.
قال الفراء: وإِنما قال: {وملئهم} بالجمع، وفرعون واحد، لأن الملك إذا ذُكر ذهب الوهم إِليه وإِلى من معه، تقول: قدم الخليفة فكثر الناس، تريد: بمن معه.
وقد يجوز أن يريد بفرعون: آل فرعون، كقوله: {واسأل القرية} [يوسف: 82].
وعلى القول الثاني: يرجع ذِكر الملأ إِلى الذرية.
قال ابن جرير: وهذا أصح، لأنه كان في الذرِّيةَ من أبوه قبطي وأُمُّه إِسرائيلية، فهو مع فرعون على موسى.
قوله تعالى: {أن يفتِنهم} يعني فرعون، ولم يقل: يفتنوهم، لأن قومه كانوا على مَن كان عليه.
وفي هذه الفتنة قولان:
أحدهما: أنها القتل، قاله ابن عباس.
والثاني: التعذيب، قاله ابن جرير.
قوله تعالى: {وإِن فرعون لعالٍ في الأرض} قال ابن عباس: متطاول في أرض مصر: {وإِنَّه لمن المسرفين} حين كان عبدًا فادّعى الربوبيَّة.
قوله تعالى: {إِن كنتم آمنتم بالله فعليه توكَّلوا} لما شكا بنوا إِسرائيل إِلى موسى ما يهددّهم به فرعون من ذبح أولادهم، واستحياء نسائهم، قال لهم هذا.
وفي قوله: {لا تجعلنا فتنة} ثلاثة أقوال:
أحدها: لا تهلكنا بعذاب على أيدي قوم فرعون، ولا بعذاب من قِبَلك، فيقول قوم فرعون: لو كانوا على حق ما عُذّبِوا ولا سُلِّطْنا عليهم.
والثاني: لا تسلِّطهم علينا فيفتنونا، والقولان مرويان عن مجاهد.
والثالث: لا تسلِّطهم علينا فيفتتنون بنا، لظنهم أنهم على حق، قاله أبو الضحى، وأبو مجلز.
قوله تعالى: {أن تبوَّا لقومكما بمصر بيوتًا} قال المفسرون: لما أُرسل موسى، أَمر فرعونُ بمساجد بني إِسرائيل فخُرِّبت كلُّها، ومُنعوا من الصلاة، وكانوا لا يصلُّون إِلا في الكنائس؛ فأُمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم ويصلُّون فيها خوفًا من فرعون.
و{تبوَّا} معناه: اتخِذا، وقد شرحناه في [الأعراف: 74].
وفي المراد بمصر قولان:
أحدهما: أنه البلد المعروف بمصر، قاله الضحاك.
والثاني: أنه الاسكندرية، قاله مجاهد.
وفي البيوت قولان:
أحدهما: أنها المساجد، قاله الضحاك، والثاني: القصور، قاله مجاهد.
وفي قوله: {واجعلوا بيوتكم قبلة} أربعة أقوال:
أحدها: اجعلوها مساجد، رواه مجاهد، وعكرمة، والضحاك عن ابن عباس، وبه قال النخعي، وابن زيد.
وقد ذكرنا أن فرعون أمر بهدم مساجدهم، فقيل لهم: اجعلوا بيوتكم قبلة بدلا من المساجد.
والثاني: اجعلوها قِبَل القبلة، رواه العوفي عن ابن عباس. وروى الضحاك عن ابن عباس، قال: قِبَل مكة.
وقال مجاهد: أُمروا أن يجعلوها مستقبلة الكعبة، وبه قال مقاتل، وقتادة، والفراء. والثالث: اجعلوها يقابل بعضها بعضًا، وهو مروي عن ابن عباس أيضًا، وبه قال سعيد بن جبير.